فصل: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [صُورُ إِجَارَةِ الْعَيْنِ]:

(وَلِإِجَارَةِ الْعَيْنِ) الْمَعْقُودِ عَلَى مَنْفَعَتِهَا، مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ، (صُورَتَانِ):

.(إحْدَاهُمَا) أَنْ تَكُونَ (إلَى أَمَدٍ):

كَهَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ فَرَسًا صِفَتُهُ كَذَا لِيَرْكَبَهُ يَوْمًا- (وَإِنْ طَالَ) الْأَمَدُ- لِأَنَّ كَوْنَ الْمُسْتَأْجِرِ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا غَالِبًا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْعَاقِدِ (إنْ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَهَا)- أَيْ: الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ- بِنَحْوِ مَوْتٍ أَوْ هَدْمٍ (فِيهِ)- أَيْ: فِي أَمَدِ الْإِجَارَةِ- وَلَوْ مُدَّةً لَا يُظَنُّ فَنَاءُ الدُّنْيَا فِيهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ، بَلْ الْوَقْفُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْمُغْنِي. وَالْمُسْقَفُ الْبَسِيطُ سَوَاءٌ. (وَشَرَطَ عِلْمَهُ)- أَيْ: الْأَمَدِ- (ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ كَسَنَةٍ مِنْ الْآنَ)؛ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِهِ، أَوْ سَنَةً ابْتِدَاؤُهَا وَقْتُ كَذَا؛ لِأَنَّهُ الضَّابِطُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُعَرِّفُ لَهُ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالْمَكِيلَاتِ.
(وَ) إنْ أَجَّرَهُ سَنَةً هِلَالِيَّةً فِي أَوَّلِهَا (مَعَ إطْلَاقِهَا)- أَيْ: السَّنَةِ- (تُحْمَلُ عَلَى الْأَهِلَّةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا)؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ شَرْعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ} الْآيَةَ، فَإِنْ وَصَفَهَا، كَانَ تَأْكِيدًا، (وَلَوْ) كَانَتْ الْأَشْهُرُ (نَوَاقِصَ)؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى أَشْهُرٍ مَعْلُومَةٍ فِي ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ؛ فَيَسْتَوْفِيهَا بِالْأَهِلَّةِ، تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً.
(وَ) إنْ كَانَ الْعَقْدُ (فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ يَكْمُلُ) بِالْعَدَدِ (عَلَى بَاقِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا) مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَآخِرِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ إتْمَامُهُ بِإِهْلَالٍ، فَتَمَمْنَاهُ بِالْعَدَدِ، (وَ) تُسْتَوْفَى (الْبَوَاقِي بِالْأَهِلَّةِ)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِالْأَهِلَّةِ، وَهِيَ الْأَصْلُ، (وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَشْهُرِ كَعِدَّةِ) وَفَاةٍ، (وَصَوْمِ) شَهْرَيْ (كَفَّارَةٍ، وَمُدَّةِ خِيَارٍ)، وَأَجَلِ ثَمَنٍ وَسَلَمٍ؛ لِأَنَّهُ سَاوَى مَا تَقَدَّمَ مَعْنًى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ شَهْرًا؛ لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَقْسِيطِ الْأُجْرَةِ عَلَى كُلِّ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ. (وَإِنْ قَالَا سَنَةً عَدَدِيَّةً، أَوْ) قَالَا (سَنَةً بِالْأَيَّامِ؛ فَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْعَدَدِيَّ ثَلَاثُونَ) يَوْمًا، وَالسَّنَةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، (وَإِنْ قَالَا سَنَةً رُومِيَّةً، أَوْ) سَنَةً (شَمْسِيَّةً، أَوْ) سَنَةً (فَارِسِيَّةً، أَوْ) (سَنَةً قِبْطِيَّةً- وَهُمَا يَعْلَمَانِهَا- صَحَّ) ذَلِكَ، (وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبُعُ يَوْمٍ)، فَإِنَّ أَشْهُرَ الرُّومِ، مِنْهَا سَبْعَةٌ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَأَرْبَعَةٌ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَوَاحِدٌ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ شُبَاطُ، وَزَادَهُ الْحِسَابُ رُبْعًا، وَشُهُورُ الْقِبْطِ كُلُّهَا ثَلَاثُونَ ثَلَاثُونَ، وَزَادُوهَا خَمْسَةً وَرُبُعًا لِتُسَاوِي سَنَتُهُمْ السَّنَةَ الرُّومِيَّةَ، وَإِنْ جَهِلَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَا ذُكِرَ مِنْ السِّنِينَ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِلْجَهْلِ بِمُدَّةِ الْإِيجَارِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَيُطْلَقُ)؛ لِلْجَهَالَةِ؛ لِافْتِقَارِ الْأَمَدِ إلَى التَّعْيِينِ- (وَلَوْ بِمُدَّةٍ تَلِي الْعَقْدَ- خِلَافًا لَهُ)- أَيْ- لِلْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَلِيه- أَيْ الْعَقْدَ- لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ- أَيْ الِابْتِدَاءِ- وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ، فَقَالَ: إنْ أَجَّرْتُك شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهُمَا كَأُسْبُوعٍ؛ فَيَصِحُّ انْتَهَى كَلَامُ الْإِقْنَاعِ مَعَ شَرْحِهِ. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، فَاحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مَا يَقَعُ اسْمُهُ عَلَى شَيْئَيْنِ؛ كَقَوْلِهِ أَجَّرْتُك (لِنَحْوِ رَبِيعٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَرَبِيعُ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ (أَوْ عِيدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَعِيدُ الْفِطْرِ أَوْ النَّحْرِ؟ أَوْ جُمَادَى كَذَلِكَ؟ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ وَعَلَى يَوْمٍ مِنْ أَيِّ أُسْبُوعٍ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَلِيَ) مُدَّةُ الْإِجَارَةِ (الْعَقْدَ، فَتَصِحُّ) إجَارَةُ عَيْنٍ (لِسَنَةِ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ)؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَعَ غَيْرِهَا، فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً كَالَّتِي تَلِي الْعَقْدَ. (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَيْنُ (مُؤَجَّرَةً أَوْ مَرْهُونَةً) وَقْتَ عَقْدٍ، (وَيَتَّجِهُ) تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَرْهُونَةِ- (وَلَوْ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ)- إنْ أَمْكَنَ التَّسْلِيمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ (مَشْغُولَةً) بِنَحْوِ زَرْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ (وَقْتَ عَقْدٍ)؛ كَمُسْلَمٍ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ وَقْتَ عَقْدٍ (إنْ قَدَرَ) مُؤَجِّرٌ (عَلَى تَسْلِيمِ) مَا أَجَّرَهُ (عِنْدَ وُجُوبِهِ)- أَيْ التَّسْلِيمِ- فَهُوَ أَوَّلُ دُخُولِ الْمُدَّةِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَمُرَادُ الْأَصْحَابِ مُتَّفِقٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُؤَجَّرِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ وَقْتَ وُجُوبِهِ. إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، (فَلَا تَصِحُّ) إجَارَةٌ (فِي) أَرْضٍ (مَشْغُولَةٍ بِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ) وَنَحْوِهِمَا؛ كَأَمْتِعَةٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَذَّرُ تَحْوِيلُهَا إذَنْ، إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ صَاحِبِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ (عِنْدَهُ)؛ أَيْ: عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ.
قَالَ فِي الْفَائِقِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا عَدَمُ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ مَشْغُولَةٍ بِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لِلْغَيْرِ، مَا لَمْ يَأْذَنْ مَالِكُهَا، فَإِنْ أَذِنَ فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ. (وَمَا لَمْ يُمْكِنْ إزَالَتُهُ)- أَيْ الشَّاغِلِ لِلْأَرْضِ- كَالْمَتَاعِ الْكَثِيرِ فِي الْبَيْتِ أَوْ الطَّعَامِ فِي الْمَخْزَنِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَتْ إزَالَتُهُ (فِي الْحَالِ)؛ جَازَتْ إجَارَتُهُ لِغَيْرِهِ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ كَانَتْ مَشْغُولَةً فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ خَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: يَتَوَجَّهُ صِحَّتُهَا فِيمَا خَلَتْ فِيهِ مِنْ الْمُدَّةِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَكَذَا يَتَّجِهُ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ أَمْكَنَ فِي أَثْنَائِهَا. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ مَرْهُونَةٍ (مِنْ رَاهِنِهَا) لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ (لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءٍ) مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ؛ إذْ لَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ؛ لَلَزِمَ تَأْخِيرُ حَقِّ الْمُرْتَهِن، وَإِنْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى إيجَارِ الْمَرْهُونِ، جَازَ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٍ (مِنْ وَكِيلٍ مُطْلَقٍ) لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَدًا (مُدَّةً طَوِيلَةً)، كَخَمْسِ سِنِينَ، (بَلْ) يُؤَجَّرُ (الْعُرْفَ) الْمَعْهُودَ غَالِبًا؛ (كَسَنَتَيْنِ وَ) نَحْوِهِمَا (كَثَلَاثِ) سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِأَهْلِي خُبْزًا، فَاشْتَرَى قِنْطَارًا مِنْهُ؛ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُطْلَقَ (فِي) إجَارَةِ (حَيَوَانٍ) لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْعُرْفَ؛ (كَشَهْرَيْنِ وَثَلَاثٍ)، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِيهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَصِحُّ) إجَارَةٌ (فِي آدَمِيٍّ لِنَحْوِ رَعْيٍ).
قَالَ فِي الْمُغْنِي؛ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ الرَّاعِي (وَ) نَحْوِهِ؛ (كَخِدْمَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً)؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَخُصُّ، (وَيُسَمَّى) مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً (الْأَجِيرَ الْخَاصَّ؛ لِتَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسْتَحِقُّ مُسْتَأْجِرُهُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِهِ) مُخْتَصًّا بِهِ، (سِوَى) زَمَنِ (فِعْلِ) الصَّلَوَاتِ (الْخَمْسِ بِسُنَنِهَا) الرَّاتِبَةِ (فِي أَوْقَاتِهَا) الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِعْلَ الصَّلَاةِ (جَمَاعَةً)، لَكِنْ قَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ خُصُوصِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ شَرْطٍ، (وَ) سِوَى زَمَنِ فِعْلِ (صَلَاةِ جُمُعَةٍ، وَ) صَلَاةِ (عِيدِ) [فِطْرٍ أَوْ أَضْحَ؛] فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا، وَعَلَى قِيَاسِ الْخَمْسِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حُضُورُهَا. (وَلَا يَسْتَنِيبُ) أَجِيرٌ خَاصٌّ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ؛ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ؛ كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِمَنْ يَرْكَبُهَا مُدَّةً، فَلَيْسَ لَهُ إبْدَالُهَا.

.(ثَانِيهمَا)- أَيْ الصُّورَتَيْنِ- أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمَعْقُودُ عَلَى مَنْفَعَتِهَا (لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ):

(كَدَابَّةٍ) مُعِينَةً أَوْ مَوْصُوفَةً (لِرُكُوبٍ لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ)، أَوْ لِحَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَى مُعَيَّنٍ (كَبَلَدِ كَذَا، وَ) لَهُ (أَنْ يَرْكَبَ) الدَّابَّةَ الْمُسْتَأْجَرَةَ، لِلرُّكُوبِ (لِمَنْزِلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) مَنْزِلُهُ (فِي أَوَّلِ عِمَارَتِهِ)- أَيْ الْبَلَدِ- لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، (وَلَهُ)- أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ- (رُكُوبُ) مُؤَجَّرَةٍ لِمَحَلِّ (مِثْلِهِ)- أَيْ الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ إلَيْهِ (فِي جَادَّةٍ)- أَيْ طَرِيقٍ- (مُمَاثِلَةٍ) لِلطَّرِيقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (فِي) مَسَافَةٍ و(سُهُولَةٍ وَأَمْنٍ وَضِدِّهَا)- أَيْ فِي حُزُونَةٍ- وَخَوْفٍ، فَلَوْ كَانَتْ الطَّرِيقُ الَّتِي يَعْدِلُ إلَيْهَا أَقَلَّ ضَرَرًا؛ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى جَازَ فِي الْأَكْثَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ عُيِّنَتْ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ، وَيَعْلَمَ قَدْرَهَا بِهَا؛ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ كَنَوْعِ الْمَحْمُولِ وَالرَّاكِبِ، (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ) فِي الْمُغْنِي جَوَازَ الْعُدُولِ إلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، (إنْ لَمْ يَكُنْ لِمُكْرٍ غَرَضٌ فِي) الْمَحَلِّ (الْأَوَّلِ).
قَالَ وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمُكْرِي غَرَضٌ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهَا؛ (كَمُكْرٍ جِمَالَهُ لِمَكَّةَ لِيَحُجَّ مَعَهَا، أَوْ) إلَى (بَلَدٍ بِهِ أَهْلُهُ؛ فَلَا يَعْدِلُ مُكْتَرٍ لِغَيْرِهِ)، وَلَوْ أَكْرَى جِمَالَهُ جُمْلَةً إلَى بَلَدٍ أُخْرَى، (وَيَتَّجِهُ تَصْوِيبُهُ)- أَيْ تَصْوِيبِ مَا قَالَهُ الْمُوَفَّقُ- وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَقَالَ: وَلَوْ أَكْرَى جِمَالَهُ إلَى بَغْدَادَ؛ لِكَوْنِ أَهْلِهِ بِهَا أَوْ بِبَلَدِ الْعِرَاقِ؛ لَمْ يَجُزْ الذَّهَابُ بِهَا إلَى مِصْرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَسَافَةَ لِغَرَضٍ فِي فَوَاتِهِ ضَرَرٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ، كَمَا فِي حَقِّ الْمُكْرِي، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ حَمَلَهُ إلَى غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي اُكْتُرِيَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ. انْتَهَى.
وَإِنْ سَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبْعَدَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ إلَيْهِ، أَوْ سَلَكَ أَشَقَّ مِنْهُ؛ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ. (وَمَنْ اكْتَرَى) بَعِيرًا وَنَحْوَهُ (لِمَكَّةَ؛ لَا يَرْكَبُ لِعَرَفَةَ)؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَ) لَوْ اكْتَرَى (لِلْحَجِّ، فَلَهُ الرُّكُوبُ لِمَكَّةَ، ثُمَّ) الرُّكُوبُ مِنْ مَكَّةَ (لِعَرَفَةَ، ثُمَّ) الرُّكُوبُ (لِمَكَّةَ) لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ (ثُمَّ) الرُّكُوبُ (لِمِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ انْقَضَى. (وَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ السَّيْرِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِمَا، وَلَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَهُمَا، (وَإِنْ سُنَّ) ذِكْرُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، (لَا سِيَّمَا إذَا كَانَا بِطَرِيقٍ لَيْسَ السَّيْرُ فِيهِ إلَيْهِمَا)، وَإِنْ كَانَ الْكَرْيُ فِي طَرِيقِ السَّيْرِ إلَيْهِمَا؛ اُسْتُحِبَّ ذِكْرُ قَدْرِ السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَالطَّرِيقُ مَنَازِلُ مَعْرُوفَةٌ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ السَّيْرِ أَوْ وَقْتِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْمَنْزِلِ، إمَّا دَاخِلَ الْبَلَدِ، أَوْ فِي خَارِجٍ مِنْهُ؛ حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّرِيقِ عُرْفٌ وَأَطْلَقَا الْعَقْدَ، فَقَالَ الْمُوَفَّقُ: الْأَوْلَى صِحَّةُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَقْدِيرِ السَّيْرِ، وَيَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الطَّرِيقِ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَوَابِّ الْعَمَلِ، (كَبَقَرٍ) مُعَيَّنَةً أَوْ مَوْصُوفَةً (لِحَرْثِ) أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ لَهُمَا بِالْمُشَاهَدَةِ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ وَحْدَهَا لِيَحْرُثَ هُوَ بِهَا، وَأَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مَعَ صَاحِبِهِ بِآلَتِهَا مِنْ سِكَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْعَمَلِ بِالْمِسَاحَةِ كَجَرِيبٍ أَوْ جَرِيبَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَبِالْمُدَّةِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، لَا مِنْ الثَّانِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَعْتَبِرُ تَعْيِينَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ.
فَائِدَةٌ:
وَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ حَمَلَ زَادٍ مُقَدَّرٍ كَمِائَةِ رِطْلٍ، وَشَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يُبْدِلَ مِنْهَا مَا نَقَصَ بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُبْدِلَهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ إبْدَالُهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، فَإِنْ ذَهَبَ بِغَيْرِ الْأَكْلِ؛ كَسَرِقَةٍ، أَوْ سُقُوطٍ ضَاعَ بِهِ؛ فَلَهُ إبْدَالُ مَا سُرِقَ أَوْ ضَاعَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ إبْدَالًا، وَلَا عَدَمَهُ؛ فَلَهُ إبْدَالُ مَا ذَهَبَ بِسَرِقَةٍ أَوْ أَكْلٍ- وَلَوْ مُعْتَادًا- كَالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ حَمْلَ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ؛ فَمَلَكَهُ مُطْلَقًا. (أَوْ) بَقَرٍ (لِدِيَاسِ) زَرْعٍ (مُعَيَّنٍ)؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ؛ كَالْحَرْثِ، (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (آدَمِيٍّ) حُرٍّ أَوْ قِنٍّ؛ (لِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ)؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأُرَيْقِطِ هَادِيًا خِرِّيتًا- وَهُوَ الْمَاهِرُ- بِالْهِدَايَةِ لِيَدُلَّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ إلَى الْمَدِينَةِ»، (أَوْ يُلَازِمَ غَرِيمًا) يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ فِي الظَّاهِرِ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِالْحَقِّ، (أَوْ يَخِيطَ، أَوْ يُقَصِّرَ ثَوْبًا أَوْ يَقْلَعَ سِنًّا) أَوْ ضِرْسًا مُعِينَيْنِ. (أَوْ) اسْتِئْجَارُهُ (لِفَصْدٍ أَوْ خَتْنٍ) أَوْ حَلْقِ شَعْرٍ أَوْ تَقْصِيرِهِ أَوْ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ؛ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِهِ لِنَحْوِ أَكْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَلَا يُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ، وَمَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَحْرُمُ الْقَطْعُ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَمِثْلُهُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ؛ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ. أَوْ اسْتِئْجَارُ طَبِيبٍ (لِمُدَاوَاةِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ)؛ فَيَصِحُّ، (أَوْ حَلْبِ) حَيَوَانٍ (وَذَبْحِ أَوْ سَلْخِ حَيَوَانٍ) مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَعْمَالٌ مُبَاحَةٌ، لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا؛ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ.
(وَ) كَاسْتِئْجَارِ (رَحًى لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ) مِنْ حَبٍّ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهُ مَا يَسْهُلُ؛ وَمِنْهُ مَا يَعْسُرُ. (تَنْبِيهٌ: مَا لَا عَمَلَ لَهُ؛ كَدَارٍ وَأَرْضٍ لَا يُؤَجَّرُ إلَّا لِمُدَّةٍ). قَالَهُ الْمَجْدُ (وَمَا لَهُ عَمَلٌ يَنْضَبِطُ يَجُوزُ تَقْدِيرُ إيجَارِهِ بِمُدَّةٍ وَعَمَلٍ)، وَيَكْفِي ذِكْرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، (وَشَرْطُ عِلْمِ) كُلِّ (عَمَلٍ) اُسْتُؤْجِرَ لَهُ، (وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ)؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مَجْهُولًا؛ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ مَعَهُ، (فَيُعْتَبَرُ فِي إجَارَةٍ دَابَّةٍ لِإِدَارَةِ رَحًى مَعْرِفَةُ) صَاحِبِ الدَّابَّةِ (الْحَجَرَ، إمَّا بِنَظَرِ أَوْ وَصْفٍ)؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْبَهِيمَةِ يَخْتَلِفُ بِثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ، (وَ) يُعْتَبَرُ [تَقْدِيرُ عَمَلٍ] بِزَمَانٍ؛ (كَيَوْمٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ (أَوْ طَعَامٍ) اُعْتُبِرَ ذِكْرُ كَيْلِهِ؛ (كَقَفِيزٍ، وَ) اُعْتُبِرَ (ذِكْرُ جِنْسٍ مَطْحُونٍ؛ كَاسْتِئْجَارِ رَحًى لِطَحْنِ بُرٍّ) أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً (لِإِدَارَةِ دُولَابٍ؛ اُعْتُبِرَ مُشَاهَدَتُهُ)- أَيْ الدُّولَابِ- (مَعَ) مُشَاهَدَةِ (دِلَائِهِ)؛ لِاخْتِلَافِهَا، (وَ) اُعْتُبِرَ (تَقْدِيرُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (بِزَمَنٍ أَوْ مِلْءِ نَحْوِ حَوْضٍ، وَلَا) يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ (بِسَقْيِ أَرْضٍ لِتُرْوَى)؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً (لِسَقْيٍ بِدَلْوٍ اُعْتُبِرَ مُشَاهَدَتُهُ)- أَيْ الدَّلْوِ- (وَ) اُعْتُبِرَ (تَقْدِيرُهُ بِعَدَدِ) الدِّلَاءِ، (أَوْ زَمَنٍ) كَيَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ، (أَوْ بِمَاءٍ نَحْوَ حَوْضٍ) كَبِرْكَةٍ (أَوْ)؛ أَيْ: وَإِنْ قُدِّرَ السَّقْيُ (بِشُرْبِ مَاشِيَةٍ)؛ جَازَ؛ (لِأَنَّ شُرْبَهَا يَتَقَارَبُ غَالِبًا)؛ كَمَا يَجُوزُ تَقْدِيرُهُ (بِبَلِّ تُرَابٍ مَعْرُوفٍ) لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْعُرْفِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً (لِسَقْيٍ عَلَيْهَا؛ اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ الْآلَةِ) الَّتِي يَسْقِي فِيهَا (مِنْ رَاوِيَةِ أَوْ قِرْبَةٍ أَوْ جِرَارٍ) إمَّا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ وَيُقَدَّرُ الْعَمَلُ بِالزَّمَانِ؛ كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، أَوْ بِالْعَدَدِ، أَوْ بِمِثْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ قُدِّرَ الْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَرَّاتِ احْتَاجَ إلَى (مَعْرِفَةِ) الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَقِي مِنْهُ، وَمَعْرِفَةِ (الْمَكَانِ) الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ بِالْمَاءِ، وَيَصُبُّ فِيهِ (لِلسَّقْيِ مِنْ قُرْبٍ وَبُعْدٍ)؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ. وَمَنْ اكْتَرَى زَوْرَقًا- هُوَ نَوْعٌ مِنْ السُّفُنِ- فَزَوَاهُ؛ بِأَنْ جَمَعَهُ مَعَ زَوْرَقٍ لَهُ، فَغَرِقَا؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى الْمُسَاوَاةِ كَكِفَةِ الْمِيزَانِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْرًا لِاسْتِقَاءِ مَاءٍ، فَقَرَنَهُ بِثَوْرٍ آخَرَ لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّتَيْنِ وَاحِدَةً لِمَكَّةَ، وَالْأُخْرَى لِلْمَدِينَةِ؛ بَيَّنَ) الدَّابَّةَ (الَّتِي لِمَكَّةَ)، وَبَيَّنَ الدَّابَّةَ (الَّتِي لِلْمَدِينَةِ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ (لِحَفْرِ نَحْوِ بِئْرٍ) كَمَغَارَةٍ (أَوْ) [حَفْرِ] (نَهْرٍ) أَوْ سَاقِيَةٍ؛ (اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ أَرْضٍ تُحْفَرُ، وَ) اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ (دُورِ بِئْرٍ، وَ) اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ (عُمْقِهَا)؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ وَضِدِّهَا، (وَ) اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ (آلَتِهَا إنْ طَوَاهَا)؛ أَيْ: بَنَاهَا، وَاعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ (طُولِ نَهْرٍ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ. وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِهَا، (فَعَلَيْهِ نَقْلُ تُرَابِهَا مِنْهَا)- أَيْ الْبِئْرِ- لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحَفْرُ إلَّا بِهِ، فَقَدْ تَضْمَنَّهُ الْعَقْدُ، (فَإِنْ تَهَوَّرَ) فِيهَا (تُرَابٌ مِنْ جَانِبِهَا، أَوْ سَقَطَ فِيهَا)- أَيْ الْبِئْرِ- (نَحْوُ بَهِيمَةٍ) فَانْهَالَ بِهَا تُرَابٌ؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ)- أَيْ الْأَجِيرَ- (إخْرَاجُهُ)- أَيْ التُّرَابِ- (وَهُوَ عَلَى مُكْتَرٍ) لِحَفْرِهَا، إنْ أَرَادَ تَنْظِيفَهَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ فِيهَا مِنْ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَتَضَمَّنْ عَقْدَ الْإِجَارَةِ رَفْعَهُ. (وَإِنْ وَصَلَ الْأَجِيرُ) فِي الْحَفْرِ (لِصَخْرَةٍ أَوْ مَحَلٍّ صُلْبٍ)- بِضَمِّ الصَّادِ؛ أَيْ: جَمَادٍ- (يَمْنَعُ الْحَفْرَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ)- أَيْ الْأَجِيرَ- (حَفْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ) الصَّخْرَ وَنَحْوَهُ (مُخَالِفٌ لَمَا شَاهَدَهُ فَوْقَ)، فَإِذَا ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ مَا يُخَالِفُ الْمُشَاهَدَةَ؛ كَانَ لِلْأَجِيرِ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ؛ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ. (فَإِنْ فَسَخَ) الْأَجِيرُ؛ (فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِسْطِ مَا عَمِلَ)؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْإِتْمَامِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ، فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ، وَعَلَى مَا عَمِلَ الْأَجِيرُ، (فَيُقَالُ: كَمْ أَجْرُ مَا عَمِلَ وَكَمْ أَجْرُ مَا بَقِيَ)؟ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا، فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ أَجْرَ مَا عَمِلَ عَشْرَةٌ وَمَا بَقِيَ خَمْسَةً عَشَرَ؛ فَلَهُ خُمُسَانِ، (وَلَا يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ الْأَذْرُعِ؛ لِأَنَّ أَعْلَى الْبِئْرِ يَسْهُلُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنْهُ، وَأَسْفَلَهُ يَشُقُّ) هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَوَالْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. (فَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ بِئْرِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ طُولًا وَعَشَرَةً عَرْضًا وَعَشَرَةً عُمْقًا، فَحَفَرَ الْأَجِيرُ خَمْسَةً طُولًا فِي خَمْسَةٍ عَرْضًا فِي خَمْسَةٍ عُمْقًا)؛ وَأَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ لَهُ، (فَاضْرِبْ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فِي مِائَةٍ، فَاضْرِبْهَا فِي عَشَرَةٍ بِأَلْفٍ)؛ فَهِيَ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِهَا (وَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، فَاضْرِبْهَا فِي خَمْسَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ)، وَذَلِكَ الَّذِي حَفَرَهُ (وَهُوَ)- أَيْ الْخَارِجُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَلْفِ- (ثَمَنُ الْأَلْفِ فَلَهُ)- أَيْ الْأَجِيرِ- (ثَمَنُ الْأُجْرَةِ)؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِثَمَنِ الْعَمَلِ، وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ، فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. وَإِنْ نَبَعَ مِنْ الْمَحْفُورِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ مَا مَنَعَ الْأَجِيرَ مِنْ الْحَفْرِ؛ فَكَالصَّخْرَةِ فِي الْحُكْمِ، لِلْأَجِيرِ الْفَسْخُ، وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى عَلَى مَا عَمِلَ وَمَا بَقِيَ، وَيَأْخُذُ بِالْقِسْطِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُحْكَى أَنَّ شَخْصَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ خَمْسَةُ، فَخَلَطَا الْجَمِيعَ، فَجَاءَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَكَلَ مَعَهُمَا، ثُمَّ أَجَازَهُمَا بِثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ، فَتَرَافَعَا إلَى عَلِيٍّ، فَحَكَمَ لِرَبِّ الثَّلَاثَةِ بِوَاحِدٍ، وَلِرَبِّ الْخَمْسَةِ بِسَبْعَةٍ، وَقَالَ لَهُمَا: لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْخُبْزِ يُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ عَدَدِ الْأَشْخَاصِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ تُضْرَبُ أَرْغِفَةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الثَّلَاثَةِ؛ فَلِرَبِّ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، أُكِلَ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ، وَبَقِيَ وَاحِدٌ، وَلِرَبِّ الْخَمْسَةِ خَمْسَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، أُكِلَ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ، وَبَقِيَ سَبْعَةٌ؛ فَتَمَّ لِكُلٍّ ثَمَانِيَةٌ، وَهِيَ مَجْمُوعُ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ. (تَنْبِيهٌ: وَلَا تُعْرَفُ الْأَرْضُ) الْمُرَادَةُ (لِلْحَرْثِ بِغَيْرِ مُشَاهَدَةٍ)؛ لِاخْتِلَافِهَا بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، (وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْعَمَلِ، فَيَجُوزُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا بِمُدَّةٍ كَيَوْمٍ، أَوْ تَحْدِيدِ عَمَلٍ)؛ كَقَوْلِهِ: (هَذِهِ الْقِطْعَةُ، أَوْ) قَوْلِهِ: (اُحْرُثْ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا، أَوْ) بِمِسَاحَةٍ؛ كَقَوْلِهِ لَهُ اُحْرُثْ (جَرِيبًا)، أَوْ جَرِيبَيْنِ، أَوْ كَذَا ذِرَاعًا فِي كَذَا ذِرَاعًا، (وَمَعَ تَقْدِيرِهِ)- أَيْ الْعَمَلِ- (بِمُدَّةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ بَقَرٍ تَحْرُثُ)؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا. (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِكَحْلِ) عَيْنَيْ أَرْمَدُ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ جَائِزٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، أَوْ اُسْتُؤْجِرَ طَبِيبٌ (لِمُدَاوَاةِ) مَرِيضٍ؛ صَحَّ، (وَاشْتَرَطَ تَقْدِيرَهُ)- أَيْ التَّكْحِيلَ أَوْ الْمُدَاوَاةَ- بِمَا يَنْضَبِطُ بِهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ مُدَّةٍ، وَلَمَّا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرَ الْعَمَلِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ؛ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ: (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ التَّقْدِيرُ (بِمَرَّةٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ مَرَّاتٍ) مُتَعَدِّدَةٍ حَيْثُ كَانَتْ مَعْلُومَةً، (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِلْإِقْنَاعِ لِاعْتِبَارِهِ صِحَّةَ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِالْمُدَّةِ، وَعِبَارَتُهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ كَحَّالًا لِيُكْحِلَ عَيْنَهُ، وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ انْتَهَى.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَقْدِيرَ الْعَمَلِ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهِمَ مِنْ الْإِقْنَاعِ أَنَّهُ مَنَعَ صِحَّةَ التَّقْدِيرِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ نَفْيُ مَا عَدَاهُ، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لَا حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا نَشَأَ هَذَا الْخَلَلُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيرَ الْعَمَلِ، فَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الِاشْتِرَاطَ؛ لَحَصَلَ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ كَمَالُ الِارْتِبَاطِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ قَوْلُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ كَحَّالًا لِيُكَحِّلَ عَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ جَائِزٌ، وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، وَيَحْتَاجُ أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ اشْتِرَاطُ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَاشْتِرَاطُ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ (بِمُدَّةٍ كَشَهْرٍ)؛ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِدُونِهَا؛ وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ ذَلِكَ (بِزَمَنِ بُرْءٍ؛ لِجَهَالَتِهِ)- أَيْ الْبُرْءِ-. (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ إنْسَانًا (لِتَطْيِينِ سَطْحٍ، وَ) تَطْيِينِ (حَائِطٍ وَتَجْصِيصِهِ؛ لِاخْتِلَافِ طِينٍ بِرِقَّةٍ وَغِلَظٍ)، وَأَرْضُ السَّطْحِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا الْعَالِي وَالنَّازِلُ، وَكَذَا الْحِيطَانُ؛ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ، (وَشُرِطَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ- (بَيَانُ عَدَدِ مَا يُكْحِلُهُ كُلَّ يَوْمٍ) فَيَقُولُ: (مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ)، فَإِنْ كَانَ الْكُحْلُ مِنْ الْعَلِيلِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ آلَةَ الْعَمَلِ تَكُونُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ؛ كَاللَّبِنِ فِي الْبِنَاءِ وَالطِّينِ وَالْآجُرِّ وَنَحْوِهَا. وَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْكَحَّالِ جَازَ، خِلَافًا لِلْقَاضِي؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، وَيَشُقُّ عَلَى الْعَلِيلِ تَحْصِيلُهُ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَجَازَ ذَلِكَ؛ كَالصَّبْغِ مِنْ الصَّبَّاغِ وَالْحِبْرِ وَالْأَقْلَامِ مِنْ النَّاسِخِ، وَاللَّبَنِ فِي الرَّضَاعِ، وَفَارَقَ لَبِنَ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْصِيلُ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ، وَلَا يَشُقُّ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً، فَكَحَّلَهُ؛ فَلَمْ تَبْرَأْ عَيْنُهُ، فَإِنَّهُ (يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ)؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَوَجَبَ لَهُ الْأَجْرُ- (وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ)- كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِبِنَاءِ حَائِطٍ يَوْمًا أَوْ لِخَيَّاطَةِ قَمِيصٍ، فَلَمْ يُتِمَّهُ فِيهِ، (وَإِنْ بَرِئَ) الْأَرْمَدُ (فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ)؛ انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَجَرَ عَنْهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، (أَوْ مَاتَ) فِي أَثْنَائِهَا؛ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ؛ لِمَا مَرَّ، وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِالْقِسْطِ. (وَإِنْ امْتَنَعَ مَرِيضٌ مِنْ طِبٍّ مَعَ بَقَاءِ مَرَضٍ) فِي عَيْنِهِ؛ (اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ)؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْبِنَاءِ، فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَقَدْ بَذَلَ الْأَجِيرُ مَا عَلَيْهِ. (وَإِنْ قَدَّرَهَا)- أَيْ: الْمُدَّةَ- (بِالْبُرْءِ؛ لَمْ تَصِحَّ) الْمُشَارَطَةُ (إجَارَةً)؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ مَجْهُولٌ، (وَلَا) تَصِحُّ (جَعَالَةً) عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَيَأْتِي فِي الْجَعَالَةِ.
تَتِمَّةٌ:
وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَبِيبًا لِمُدَاوَاتِهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْكَحَّالِ سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الدَّوَاءِ عَلَى الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ فِي الْكَحَّالِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجَرْيِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْكُحْلِ دُونَ الدَّوَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْمَعْنَى هَا هُنَا، فَثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ، وَيَمْلِكُ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ أَخْطَأَ فِي تَطْبِيبِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ: وَيَلْزَمُهُ مَا الْعَادَةُ أَنْ يُبَاشِرَهُ مِنْ وَصْفِ الْأَدْوِيَةِ وَتَرْكِيبِهَا وَعَمَلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ تَرْكِيبَهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَفَصْدٍ وَنَحْوِهِمَا، إنْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ، أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُبَاشِرَهُ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَ) يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَقْلَعَ لَهُ ضِرْسَهُ أَوْ سِنَّهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى قَلْعِهِ، (فَإِنْ أَخْطَأَ) الْأَجِيرُ، (فَقَلَعَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ضِرْسٍ؛ ضَمِنَهُ)؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ضَمَانِهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ إلَّا فِي الْقِصَاصِ وَعَدَمِهِ. (وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ (بِبُرْءٍ قَبْل قَلْعِهِ)؛ لِأَنَّ قَلْعَهُ بَعْدَ بُرْئِهِ غَيْرُ جَائِزٍ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ)- أَيْ: الْمَرِيضِ (فِي بُرْئِهِ)- أَيْ: الضِّرْسِ- لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ) الضِّرْسُ، (وَامْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ قَلْعِهِ؛ لَمْ يُجْبَرْ) عَلَى قَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ جُزْءٍ مِنْ الْآدَمِيِّ مُحَرَّمٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ إذَا صَارَ بَقَاؤُهُ ضَرَرًا، أَوْ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى كُلِّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَصَاحِبُ الضِّرْسِ أَعْلَمُ بِمَضَرَّتِهِ وَنَفْعِهِ وَقَدْرِ أَلَمِهِ.

.(فَصْلٌ) (الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ: أَنْ تَكُونَ (عَلَى مَنْفَعَةٍ بِذِمَّةٍ):

وَهِيَ نَوْعَانِ:

.أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ:

كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَمْلِ هَذِهِ الْغِرَارَةِ الْبُرِّ إلَى مَحَلِّ كَذَا عَلَى بَعِيرٍ تُقِيمُهُ مِنْ مَالِكَ بِكَذَا.

.وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مَوْصُوفٍ:

كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَمْلِ غِرَارَةِ بُرٍّ صِفَتُهُ كَذَا إلَى مَكَّةَ بِكَذَا. (وَشَرَطَ ضَبْطَهَا)- أَيْ: الْمَنْفَعَةِ- (بِمَا)- أَيْ وَصْفٍ- (لَا يَخْتَلِفُ) بِهِ الْعَمَلُ؛ (كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ) يُذْكَرُ قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ وَصِفَتُهُ لِخِيَاطَةٍ، (وَبِنَاءِ دَارٍ) يَذْكُرُ الْآلَةَ وَنَحْوَهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَحَمْلٍ) لِشَيْءٍ يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ، وَأَنَّ الْحَمْلَ (لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ)؛ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ (كَحَمْلِ جَمَاعَةٍ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ)، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ عَدَدِهِمْ، (فَمَا)- أَيْ: كُلُّ مَوْضِعٍ- (وَقَعَ) الْعَقْدُ (عَلَى مُدَّةٍ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ ظَهْرٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ.
(وَ) إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ (عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ)- أَيْ: مَعْرِفَةُ الظَّهْرِ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ- لِأَنَّ الْقَصْدَ الْعَمَلُ، وَحَيْثُ ضُبِطَ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، (أَوْ) وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى (رُكُوبِ عَقَبَةٍ، بِأَنْ يَرْكَبَ تَارَةً وَيَمْشِيَ أُخْرَى)؛ لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَةُ رُكُوبٍ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِدُونِهَا، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ اكْتِرَاؤُهَا فِي الْجَمِيعِ؛ جَازَ فِي الْبَعْضِ، (وَ) لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْعَقَبَةِ مَعْلُومَةً، (فَتُقَدَّرُ بِمَسَافَةٍ) كَفَرَاسِخَ مَعْلُومَةٍ؛ بِأَنْ يَرْكَبَ فَرْسَخًا وَيَمْشِيَ آخَرَ، (أَوْ) تُقَدَّرُ (بِزَمَنٍ)؛ بِأَنْ يَرْكَبَ لَيْلًا وَيَمْشِيَ نَهَارًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَيُعْتَبَرُ فِي هَذَا زَمَانُ السَّيْرِ دُونَ زَمَانِ النُّزُولِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ إطْلَاقَهَا)- أَيْ: الْعَقَبَةُ- (لَا يَقْتَضِي رُكُوبَ نِصْفِ الطَّرِيقِ؛ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا)- أَيْ: إجَارَةِ الْعَقَبَةِ- (بِعَدَمِ التَّقْدِيرِ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَلَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا انْتَهَى.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ- فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي رُكُوبَ نِصْفِ الطَّرِيقِ انْتَهَى.
وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيَمْشِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ مَا زَادَ وَنَقَصَ؛ جَازَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا؛ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَاشِي، لِدَوَامِ الْمَشْيِ، وَعَلَى الْمَرْكُوبِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَادِئِ مِنْهُمَا؛ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَتَعَيَّنَتْ الْقُرْعَةُ.
(وَ) وَشُرِطَ (كَوْنُ أَجِيرٍ فِيهَا)- أَيْ: الْمَنْفَعَةُ فِي الذِّمَّةِ- (آدَمِيًّا جَائِزَ التَّصَرُّفِ)؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، (وَيُسَمَّى) الْأَجِيرُ فِيهَا (الْمُشْتَرِكُ لِتَقْدِيرِ نَفْعِهِ بِالْعَمَلِ)، وَلِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ، فَتَكُونُ مَنْفَعَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ، (وَ) وَشَرَطَ (أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَعَمَلٍ)؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا (لِيَخِيطَهُ)- أَيْ: هَذَا الثَّوْبُ- (فِي يَوْمٍ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْرُغُ مِنْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ، فَإِنْ اسْتَعْمَلَ فِي بَقِيَّتِهِ؛ فَقَدْ زَادَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ؛ فَقَدْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ، فَيَكُونُ غَرَرًا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ. (وَيَصِحُّ) الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ (جَعَالَةً)؛ لِأَنَّهُ يُفْتَقَرُ فِيهَا مَا لَا يُفْتَقَرُ فِي الْإِجَارَةِ.
قَالَ الشَّارِحُ: فَإِذَا أَتَمَّ الْعَمَلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّتِهَا، لِأَنَّهُ وَفَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مُدَّتِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَمْ يَفِ لَهُ بِشَرْطِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْ الْأَجِيرُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ طَالَبَهُ بِالْعَمَلِ لَا غَيْرُ؛ كَالْمُسَلِّمِ إذَا صَبَرَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَى حِينِ وُجُودِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ سَقَطَ الْأَجْرُ وَالْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَمَلِ بَعْضِهِ؛ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ، فَسَقَطَ الْمُسَمَّى، وَرَجَعَ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ انْتَهَى.
(وَيَلْزَمُهُ)- أَيْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ- (الشُّرُوعُ) فِي عَمَلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ (عَقِبَ الْعَقْدِ)؛ لِجَوَازِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ إذَنْ، (فَإِنْ أَخَّرَ) الْعَمَلَ (بِلَا عُذْرٍ)، فَتَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ؛ (ضَمِنَ)؛ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
(وَ) وَشُرِطَ (كَوْنُ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ بِمُسْلِمٍ)؛ كَخِيَاطَةٍ وَنِسَاجَةٍ وَنَحْوِهِمَا، أَمَّا إنْ كَانَ فَاعِلُهُ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ (كَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِمَامَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَقَضَاءٍ) بَيْنَ النَّاسِ؛ فَتَحْرُمُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ. وَلَا تَصِحُّ، (وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ)، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى وَغَيْرُهُ: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ «إنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «عَلَّمْت نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، قَالَ: قُلْت: قَوْسٌ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَالَ: قُلْت: أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: إنْ سَرَّك أَنْ يُقَلِّدَك اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا». وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّك لَوْ لَبِسْتَهَا لَأَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِه. وَعَنْ أُبَيٍّ قَالَ: «كُنْت أَخْتَلِفُ إلَى رَجُلٍ مُسِنٍّ قَدْ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ وَقَدْ احْتَبَسَ فِي بَيْتِهِ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَكَانَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا أُقْرِئُهُ يَقُولُ لِلْجَارِيَةِ: هَلُمِّي طَعَامَ أَخِي، فَيُؤْتَى بِطَعَامٍ لَا آكُلُ مِثْلَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَجَالَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ فَكُلْ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ يُتْحِفُكَ بِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ»، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ».
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: هَذِهِ الرُّغْفَانُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُعَلِّمُونَ مِنْ السُّحْتِ. وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَوْنُهَا قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا يُصَلِّي خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ أَوْ التَّرَاوِيحَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِهَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ، وَمِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فِي ضَيْعَةٍ، وَمِنْ [أَنْ] يَسْتَدِينَ، وَيَتَّجِرَ لَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ، فَيَلْقَى اللَّهَ بِأَمَانَاتِ النَّاسِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْقَارِئَ، إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ؛ فَلَا ثَوَابَ لَهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدَى إلَى الْمَيِّتِ؟: وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ، لَا أَنْ يَحُجَّ لِيَأْخُذَ، فَمَنْ أَحَبَّ إبْرَاءَ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ رُؤْيَةَ الْمَشَاعِرِ، يَأْخُذُ لِيَحُجَّ، وَمِثْلُهُ كُلُّ رِزْقٍ أُخِذَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ، يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يَقْصِدُ الدِّينَ فَقَطْ وَالدُّنْيَا وَسِيلَةٌ، وَعَكْسُهُ؛ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ عَكْسَهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمَنْ حَجّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَسْتَفْضِلَ مَا يُوَفِّي دَيْنَهُ، الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ، لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ. انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ وَلَا يُعَارِضُهُ)؛ أَيْ: لَا يُعَارِضُ قَوْلُهُ هُنَا: وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ (مَا مَرَّ آخِرُ) كِتَابِ (الْجَنَائِزِ) مِنْ قَوْلِهِمْ: وَكُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ؛ جَازَ، وَنَفَعَهُ ذَلِكَ بِحُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ؛ (لِأَنَّهُ هُنَا فِعْلُهُ) الْقُرْبَةِ (فِي نَظِيرِ الْأُجْرَةِ، وَلَمْ تُسَلَّمْ) الْأُجْرَةُ (لَهُ، فَكَانَ الثَّوَابُ لَهُ)، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ)- أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعَمَلِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ- لِمَا تَقَدَّمَ، وَ(لَا) يَحْرُمُ أَخْذُ (جَعَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا جَازَتْ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ (عَلَى رُقْيَةٍ)، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاخْتَارَ جَوَازَهُ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَذَا الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ بَعْضُ شَيْءٍ فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ؛ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ. إنِّي وَاَللَّهِ لَأَرْقِي، وَلَكِنْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْتَسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ الَّذِي يَأْمُرُنَا بِهِ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا، وَاضْرِبُوا إلَيَّ مَعَكُمْ سَهْمًا، وَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّ الرُّقْيَةَ نَوْعُ مُدَاوَاةٍ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهَا جُعْلٌ، وَالْمُدَاوَاةُ يُبَاحُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَالْجَعَالَةُ أَوْسَعُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا تَجُوزُ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ». يَعْنِي الْجُعْلَ أَيْضًا فِي الرُّقْيَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ خَبَرِ الرُّقْيَةِ، وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ، سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ سِوَى بَيْعِ التَّعَاوِيذِ، فَتَرَى لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، أَوْ يَسْأَلَ النَّاسَ؟ قَالَ: بَيْعُ التَّعَاوِيذِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، وَقَالَ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَيْعِ التَّعَاوِيذِ انْتَهَى.
وَأَمَّا جَعْلُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَدَاقًا فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ التَّعْلِيمَ صَدَاقٌ، إنَّمَا قَالَ «زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ»، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إكْرَامًا لَهُ؛ كَمَا زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إسْلَامِهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ جَوَازُهُ بِلَا صَدَاقٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ نِحْلَةً وَوَصْلَةً، وَلِهَذَا جَازَ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، وَصَحَّ فَسَادُهُ بِخِلَافِ الْأَجْرِ فِي غَيْرِهِ؛. (كَمَا يَجُوزُ الْأَخْذُ فِي الْكُلِّ)- أَيْ كُلِّ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ- (بِلَا شَرْطٍ).
قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ أُعْطِيَ الْمُعَلِّمُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ سَافِرِيٍّ: لَا يَطْلُبُ وَلَا يُشَارِطُ، فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا أَخَذَهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ: أَكْرَهُ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ إذَا شَرَطَ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ لَا يُشَارِطُ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، إنْ أَتَاهُ شَيْءٌ قَبِلَهُ، كَأَنَّهُ يَرَاهُ أَهْوَنَ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ الَّتِي أُعْطِيهِمَا أُبَيٍّ وَعُبَادَةٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِشَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ؛ فَخُذْهُ وَتَمَوَّلْهُ، فَإِنَّهُ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك». وَقَدْ «أَرْخَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُهُ إذَا كَانَ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ»، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَانَ هِبَةً مُجَرَّدَةً؛ فَجَازَ كَمَا لَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا حَدِيثُ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ؛ فَقَضِيَّتَانِ فِي عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ خَالِصًا، فَكَرِهَ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ. انْتَهَى.
(وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ رِزْقٍ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (عَلَى مُتَعَدٍّ نَفْعُهُ؛ كَقَضَاءٍ) وَفُتْيَا، وَأَذَانٍ (وَإِمَامَةٍ)، وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ، (وَتَدْرِيسِ) عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا، وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ، وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ كَمَا يَجُوزُ أَخْذُ (الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمَصَالِحِ) الْمُتَعَدِّي نَفْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ، بَلْ الْقَصْدُ بِهِ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً، بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ)، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً، وَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَحَ مَا اُسْتُحِقَّتْ الْغَنَائِمُ وَسَلَبُ الْقَاتِلِ، بِخِلَافِ الْأَجْرِ؛ فَيُمْتَنَعُ أَخْذُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ)- أَيْ: مِمَّنْ يَقُومُ بِالْمَصَالِحِ- (لِلَّهِ أُثِيبَ) عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي أَخْلَصَهُ لِلَّهِ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}. (وَحَرُمَ أَخْذُ رِزْقٍ وَ) أَخْذُ (جُعْلٍ وَ) أَخْذُ (أَجْرِ عَلَى) فِعْلٍ (قَاصِرٍ) عَلَى فَاعِلِهِ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ؛ (كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ)؛ بِأَنْ أَعْطَى لِمَنْ يُصَلِّي مَأْمُومًا مَعَهُ جُعْلًا وَأُجْرَةً أَوْ رِزْقًا، (وَعِبَادَتُهُ لِنَفْسِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الِانْتِفَاعِ؛ فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ نَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى نَفْسِهِ)؛ كَالْحَاجِّ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُعْتَكِفِ وَالطَّائِفِ عَنْهَا؛ (لَا يَجُوزُ) لَهُ (أَنْ يُرْزَقَ)؛ أَيْ: يَأْخُذَ رِزْقًا (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا مَا فَضَلَ عَمَّنْ نَفْعُهُ مُتَعَدٍّ)، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْفَيْءِ أَنَّ الْفَاضِلَ عَمَّنْ تَعَدَّى نَفْعُهُ؛ يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِيهِ، وَالِاشْتِرَاكُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مَنْ نَفْعُهُ مُتَعَدٍّ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) إنْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَإِلَّا فَلَا، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا مَعَ احْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَدَّمُ ذُو النَّفْعِ الْعَامِ؛ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ.
تَتِمَّةٌ:
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَرْضًا وَلَا نَافِلَةً فِي حَيَاتِهِ، وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَدْخُلُ تَبَعًا، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ صَلَاةٍ وَنَحْوُهَا، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ، كُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ نَفَعَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ وَاقِعَةً عَنْ الْعَيْنِ، [بَلْ] لِلْفَاعِلِ وَثَوَابُهُ لِلْمَفْعُولِ عَنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَصَحَّ اسْتِئْجَارٌ لِبِنَاءِ نَحْوِ مَسْجِدٍ وَقَنْطَرَةٍ)؛ كَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَخَانْكَاةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) صَحَّ اسْتِئْجَارٌ (لِذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ، وَتَفْرِقَتِهِمَا وَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ لِصِحَّتِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ، (وَحَلْقُ شَعْرٍ) مَطْلُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ أَخْذُهُ (وَتَقْصِيرُهُ، وَخِتَانٌ وَقَطْعُ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ) كَسِلْعَةٍ (لِحَاجَةٍ) إلَى قَطْعِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِتَعْلِيمِ نَحْوِ خَطٍّ)؛ كَنَقْشٍ (وَحِسَابٍ، وَشِعْرٍ مُبَاحٌ)، وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَقَعُ قُرْبَةً، وَتَارَةً غَيْرَ قُرْبَةٍ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ لِفِعْلِهِ؛ كَغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ؛ لِكَوْنِ فَاعِلِهَا لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، (فَإِنْ نَسِيَهُ)- أَيْ: مَا تَعَلَّمَهُ مِنْ شِعْرٍ وَحِسَابٍ وَنَحْوِهِ- (فِي الْمَجْلِسِ أَعَادَ تَعْلِيمَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعُرْفِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ نَسِيَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ؛ (فَلَا يَلْزَمُهُ) إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِحَجْمٍ وَفَصْدٍ)، وَلَا يَحْرُمُ أَجْرُهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَهُ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «لَوْعَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ». وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهَا مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا؛ كَالرَّضَاعِ. (وَكُرِهَ لِحُرٍّ) لَا رَقِيقٍ (أَكْلُ أَجْرِهِ). هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، (وَلَوْ أَخَذَهُ بِلَا شَرْطٍ تَنْزِيهًا لَهُ)عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ (وَيُطْعِمُهُ رَقِيقًا وَبَهَائِمَ)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «أَطْعِمْهُ نَاضِحَك وَرَقِيقَك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، فَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، فَإِنَّ الرَّقِيقَ آدَمِيٌّ يُمْنَعُ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الْحُرُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ خَبِيثًا التَّحْرِيمُ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ سَمَّى الْبَصَلَ وَالثُّومَ خَبِيثَيْنِ مَعَ إبَاحَتِهِمَا، وَخَصَّ الْحُرَّ بِذَلِكَ تَنْزِيهًا لَهُ. (وَكَذَا) يُكْرَهُ لِحُرٍّ أَكْلُ (أُجْرَةِ كَسْحِ كَنِيفٍ)، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَكَرَاهَةِ أَكْلِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَنَهَى الْحُرَّ عَنْ أَكْلِهِ». فَهَذَا أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا حَجَّ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَجُلٌ أَكْنُسُ، فَمَا تَرَى فِي مَكْسَبِي؟ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَكْنُسُ؟ قَالَ: الْعُذْرَةَ. قَالَ: وَمِنْهُ حَجَجْت، وَمِنْهُ تَزَوَّجْت، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ خَبِيثٌ وَحَجُّك خَبِيثٌ وَمَا تَزَوَّجْت خَبِيثٌ، أَوْ نَحْوُ هَذَا. ذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ دَنَاءَةً؛ فَكُرِهَ كَالْحِجَامَةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي: (وَكَسْبُ مَاشِطَةٍ)؛ لِاشْتِمَالِ فِعْلِهَا عَلَى التَّنَمُّصِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، (وَ) كَسْبُ (حَمَّامِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ دَاخِلُوهُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا، وَلَا تَحْرِيمَ فِيهَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ؛ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ.